رواية عشتار وجلجامش

موقع أيام نيوز

جلجامش: بل وجدني

نظرت عشتار لجلجامش بحزن ثم أشاحت بوجهها تجاه القمر

فسألها جلجامش بقلق: مابك ياحبيبتي

عشتار: أخاف أن لايكون عشقك لي حقيقيا فقد تكون سحرت من عيناي كما حدث مع طنطل وياحين وذاك الثور

جلجامش: لاأخفي عليك أن سحر عينيك جعلني أعشقك بجنون وأتعلق بك ياحبيبتي ولكن عليك أن تعلمي أني أحببتك قبل أن أرى عينيك

عشتار بتعجب: صحيح وكيف حدث ذلك؟!

فماكان من جلجامش إلا أن حملها وخرج من النهر ووضعها عند مدخل الخيمة قرب النار حتى لاتصاب بالبرد وجلس بجانبها يهمس

جلجامش: لقد قلت لك من قبل أن الجن مقيدون بالنظر خصوصا حين نذهب لعالم الإنس أو نتشكل بهيئة نتحاشى أن ننظر لأحد في عينيه وهذا ماكنت أفعله كنت دائما أراقبك فوق شجرة التفاح في حديقتكم وانت تكبرين وتزدادين جمالا

أعجبني حنانك على إخوتك وخوفك عليهم إذ كنتم أيتامًا وكنتي أحن عليهم من أمهم لو كانت على قيد الحياة

أعجبني فيك صدقك وبراءتك حتى صرت آتي لعالمكم لأراقبك طوال يومي وأنت تمشطين شعرك الطويل عند تلك الشجرة وتغنين بصوتك العذب أو تبكين حين تكوني حزينة وتبوحين بأسرارك وآلامك ومخاوفك للنجوم والأزهار والعصافير

أتذكر مرة كان أبوك يهم بضرب أحد أخوتك فرميتي بنفسك بينهما وتلقيتي تلك الضربة كي تحمي أخاك مع أنه يكبرك سنًا غضبت غضبًا شديدًا إذ أنني أرى تلك البنت الجميلة ضربت أمامي وأنا عاجز عن فعل أي شيء وكنت قد نويت أن أتدخل أو أتلبس أباك لأعاقبه على فعلته لكني خفت أن تصابي بحزن فالتزمت الصمت وكبحت جماح نفسي،

تعلقت بك وأحببتك

وغدوت احلم بك

واتخيلك

اتخيلك معي

اتخيلك في حضني

صنعت لنا عالمًا خاص في مخيلتي

وحين أمرني أهلي أن أتزوج بحثت عنك في عالم الجن ولم أجد لك مثيلة

بحثت عنك وأنا أعلم أين أنتي

فقد تسلل حبك لقلبي شيئا فشيئا إلى أن سلبتي عقلي وروحي حاولت كثيرا أن أتغلب على عشقك لكن لم استطع إلى أن جاء ذلك اليوم الذي تشكلت به بشكل فراشة ووقفت على طرف أصبعك والتقت عيناي بعيناك لأول مرة وكان ماكان

سقطت دمعة دافئة من عين عشتار واحتضنت جلجامش بشدة والسعادة تغمر قلبها إذ تأكدت أن حب زوجها لها صادق وليس بسبب السحر الذي في عينيها

فأخمد جلجامش النار ودخل بها الخيمة ووضعت عشتار رأسها على صدره وسط الظلام والهدوء والسكون

همست عشتار: إن عالمكم غريب جدا فهو ميت في الليل لاحياة فيه لكن هدوءه مريح للأعصاب

جلجامش: هل تودين أن أقوم بتديلك كتفاك لأريحهما من عناء هذا اليوم الشاق

لكن كانت عشتار قد دخلت في سبات عميق بعد كل الأهوال التي مروا بها لابد أنها متعبة جدا ابتسم جلجامش واحتضن عشتار ونام هو الآخر

بعد بزوغ ضوء الفجر أفاقت عشتار بصوت شجرة تسقط على الماء

خرجت من خيمتها لترى جلجامش أسقط شجرة على النهر كما فعل من قبل

جلجامش: هيا ياحبيبتي علينا أن نقصد البحر في نهاية هذا النهر الطويل

قامت عشتار بجمع أسلحتها وارتدت فرو الذئب من جديد وصعدت على الشجرة وانطلق الاثنان يدفعها جريان النهر وكلما تقدموا كان النهر يتسع ووالمسافة بين الضفتين تكبر

كانت الشجرة التي اسقطها جلجامش لها أوراق كثيفة فتمددت عشتار على تلك الاوراق مستمتعةً بنسيم الصباح كمن لم يشبع نومًا ويتمسك بغفوةٍ جميلة سرعان ماتنتهي فهي تعلم لاشك أنه لابد من تحدٍ قريب هنا أو هناك

فجأة وإذ لاح لهم جمع جن كثر

جلجامش: عشتار بسرعة نختبأ بين أوراق الشجرة

عشتار: ماذا يحدث من هؤلاء الجن

جلجامش بغضب: إنهم جنود عيقم لابد أنهم متجهون لقلعتي استعدادًا لتتويج ملكهم

عشتار: علينا أن نلتزم الهدوء ونظل مختبئين بين أوراق الشجرة حتى نتجاوزهم

ولكن لم يحدث ذلك فقد امتلأت ضفة النهر بجيش عيقم الذين كانوا يمشون في خط طويل

عشتار: يبدو أننا سنقضي رحلتنا مختبئين

أجاب جلجامش بقلق: إنها مشكلة

عشتار: وكيف ذلك

أشار جلجامش بإصبعه للأمام وكانت المفاجأة إذ اقتربوا من نهاية النهر

شلال عظيم عميق جدًا يصب في البحر من سفح جبل شاهق

عشتار: وأين المشكلة في ذلك فقد قفزت بي من الجبل الأزرق وتستطيع أن تقفز بي مرة أخرى

جلجامش: سقوطنا في الشلال على الصخور الحادة هو المشكلة علاوة على ذلك فقد تفلتين من يدي من قوة السقوط أو تصابين بضربة حجر أو قد نفقد أسلحتنا من سرعة الموج

عشتار: لاأظن أن تطير بي خيار متاح أيضًا فقد تلفت انتباه جيش كامل بوجودنا مالعمل إذن

أخذ جلجامش يفكر وكانت الشجرة قد اقتربت من الحافة كثيرًا

جلجامش: حسنا لقد جائتني فكرة لكن عليكي أن تتمسكي بي جيدًا

عشتار: لاتخف لن تجد امرأة في الدنيا تمسكت بزوجها مثلي هه

وصلت الشجرة أخيرًا للشلال الشاهق فخرج جلجامش من بين أوراق الشجرة مرتديًا فرو الذئب وأخذ يعوي بصوت مماثل لصوت الذئب

أثار عواءه لخبطة وتوتر في الجيش كله وعشتار تراقب بانتباه وترقب شديدين ولهفة لمعرفة ماهي خطة زوجها التي استدعت إثارة انتباه الجيش لهم

ماهي إلا لحظات وإذا برماة السهام قد تقدموا وصفوا صفا طويلا على ضفة النهر واستلوا سهامهم ورموا بها عاليا تجاه الشجرة مايقارب عشرة آلاف سهم

بسرعة دخل جلجامش بين أوراق الشجرة وربط عشتار بفرو الذئب لصدره التي فقط اغمضت عينيها ثم امسك الشجرة بيد واليد الأخرى امسك بها حجر المغناطيس

سقطت الشجرة من الشلال ورائها السهام المثلثة

رفع جلجامش اليد التي تحمل حجر المغناطيس تجاه السهام التي وراءه

يجذبها إليه مما ابطئ من سقوط الشجرة لكن سرع من سقوط السهام عليهم

أخذت السهام واحدًا تلو الآخر تتساقط على الشجرة وأصيب جلجامش بثلاثة سهام في ظهره وواحد في خاصرته إلى أن اقتربت السهام كثيرا جدًا فعكس جلجامش قطب المغناطيس بسرعة وتنافرت السهام مبتعدة للاعلى أما الشجرة فأخذت تسقط بسرعة لكنها كانت قد اقتربت من الصخور وسقطت الشجرة أخيرًا

كان السقوط شديدًا جدًا لكن لحسن الحظ قفز جلجامش من الشجرة بسرعة واستطاع السيطرة على توازنه وتثبيت قدماه على صخرتين متقاربتين ثم قفز للضفة حاملًا عشتار واختفا بين الأشجار

فكت عشتار رباطها بسرعة قائلةً: دعني أرى جراحك اخلع ردائك

خلع جلجامش رداءه وقامت عشتار بنزع الأسهم واحدًا تلو الآخر

كانت الأسهم الثلاثة التي أصابت ظهره لم تنغرس عميقًا نظرًا لسماكة فرو الذئب لكن السهم الذي أصاب خاصرته هو الذي قد غرز عميقًا لدرجة أن عشتار حاولت نزعه مرارًا لكنها لم تستطع فانتزعه جلجامش بقوة وشق رداءه وقامت عشتار بلفه حول خاصرته

نظرت عشتار إليه بقلق والدمع في عينيها قائلة: هل يؤلمك

ضحك جلجامش وقال: لاعليك أصبت بجروحٍ أعظم من هذا سيلتأم قريبًا دعينا نذهب لطقسوس

عشتار باستغراب: من طقسوس!

جلجامش: شجرة المطاط هيڤيا تدعى بطقسوس أيضًا حين نجدها خاطبيها بالسدرة هيڤيا

عشتار: ولما سدرة وليس شجرة

جلجامش: يطلق مصطلح سدرة عادةً على الشجرة الطيبة ومع أن هيڤيا شجرة خبيثة لكن تسميتها بسدرة هو نوع من الاحترام وعلو الشأن عند الأشجار

عشتار: وهل تهتم الأشجار بالمسميات أيضًا ياللعجب

جلجامش: لكل شيء عالمه الخاص

عشتار: ألا تستطيع قطعها وقتلها واستخراج المطاط منها بسهولة

جلجامش: لا فيجب أن يكون المطاط حيويًا وخالٍ من السم فإن قتلتها يفقد حيويته وينتشر به سمها علاوة على ذلك هي شجرةٌ قوية جدًا

مشى جلجامش وعشتار كثيرًا في هذه الغابة الممتدة على طول الشاطئ بحثا عن شجرة المطاط هيڤيا

إلى أن وصلوا أخيرًا لشجرة عظيمةٍ جدا ضخمة ويابسة

أرجع جلجامش عشتار وراءه وتقدم أمام الشجرة

جلجامش: أيتها السدرة هيڤيا جئناك بسلام نطلب قليلًا من مطاطك النقي

بدأت أغصان الشجرة بالاهتزاز والتحرك ببطء حتى أحاطت بهم من كل جانب

هيڤيا: ما أنتم

جلجامش: أنا أمير جنٍ مظلوم بغا علي ملك جائر واحتل قلعتي وقد قطعت وعدًا على نفسي أن أدفع ظلمه وهذه زوجتي الإنسية

تعالت ضحكات من الشجرة هيڤيا بصدىً مرعب وقالت: جنيٌ متزوج بإنسية ها

لقد سمعت عنك اقتربي أيتها الإنسية دعيني أرى مالذي جعل هذا الجني البائس يعشقك

أومأ جلجامش لعشتار أن تتقدم

اقتربت عشتار من الشجرة العملاقة وقالت: أيتها السدرة العظيمة هلا تساعدينا أرجوك

هيڤيا: هه إنك جميلة فعلًا قولي لي هل سقيتي شجرةً ظمئ من قبل

عشتار بحماس: نعم لدينا شجرة تفاح في عالم الإنس كنت أعتني بها دومًا

هيڤيا: اعرفها اسمها أبالا هي باب أرض الإنس لعالم الجن وهل مازالت شابة وجميلة

نظرت عشتار لجلجامش لاتعلم ماتقول

جلجامش: نعم مازالت مثمرةً وخضراء

هيڤيا: إن كنت تريد المطاط عليك أن تجتاز الامتحان

جلجامش: وماهو امتحانك

هيڤيا: أنا أسأل

وأنت تجيب

أحجية إن استطعت حلها حصلت على المطاط

وإن لم تستطع حلها تموت أنت وعشيقتك

ومهلتك لتعامد الشمس فوق رأسي

نظر جلجامش لعشتار ثم قال: حسنًا هاتي أحجيتك

هيڤيا:ماتقول في شيءٍ نصفه أكبر منه

ذاك الشيء يحتاج سر الحياة لكي يعيش

ونصفه يمنعه عنه؟

نظر جلجامش لعشتار والحيرة تملأ عينيهما

ماهو الشيء الذي نصفه أكبر منه

ويحتاج لسر الحياة كي يعيش

وماهو سر الحياة

وكيف نصفه الذي أكبر منه يمنع سر الحياة عنه

الحلقة الثانية عشرة- الإنسية والجن

قصة الإنسية التي تزوجت جني

أخيرًا وصل جلجامش وعشتار لتحديهم الأخير الذي كان باعتقادهما أنه الأسهل

وصلوا لشجرة مطاط عجوز عملاقة وسامة تدعى هيڤيا وتسمى أيضا بطقسوس

وقام جلجامش بطلب قليل من المطاط يحتاجه لاكمال سلاحه

فطلبت منه هيڤيا أن يحل أحجيةً مبهمة

هيڤيا: ماتقول في شيءٍ نصفه أكبر منه

ذاك الشيء يحتاج سر الحياة لكي يعيش

ونصفه يمنعه عنه؟

أصيب جلجامش بحيرة لاسيما أن هيڤيا أعطته مهلةً لتعامد الشمس فوق رأسها

نظر جلجامش لعشتار التي كانت تبتسم له

قال جلجامش محدثًا نفسه” لماذا هذه الابتسامة المرتسمة على وجه عشتار ترى هل توصلت لحل الأحجية، للأسف ليس بمقدورها مساعدتي فلأستحق المطاط لابد لي من حل الأحجية بنفسي لكن كيف توصلت عشتار للحل بهذه السرعة”

أخذ جلجامش يحدق في عين عشتار عله يستشف تلميحًا منها لكن لافائدة حتى أحس أنه يضيع وقته ويشوش تفكيره في هذه العينان الجميلتان

ثم عاد يفكر مرةً أخرى ” ماهو الشيء الذي نصفه أكبر منه... قد يوجد أكثر من شيءً واحد لكن هذا الشيء مرتبطٌ بسر الحياة … وماهو سر الحياة… لابد أن سر الحياة واحد فهي لم تقل من أسرار الحياة بل قالت سر

مالشيء الذي لانستطيع العيش بدونه هل هو الهواء!!.. قد يكون كذلك لكن الأسماك لاتتنفس إذًا هو الماء.. لا شك هو الماء أكيييد الماء هو سر الحياة لايوجد شيءٌ باستطاعته العيش دون ماء

حسنًا

سأعيد صياغة الأحجية

من جديد

ماتقول في شيءٍ نصفه أكبر منه

ذاك الشيء يحتاج الماء لكي يعيش

ونصفه يمنعه عنه؟

احتار جلجامش فقد غدا اللغز اصعب من ذي قبل لاسيما أن الوقت غدا يمضي بسرعةٍ أيضًا

كان السكون مهيمنًا عدا صوت الأمواج ونعيق بعض الغربان مما أعطى المكان طابعا شؤم

أخذ جلجامش يتأمل هيڤيا التي بدت شجرةً شاحبة وعجوز

“مع أنها لازالت على قيد الحياة إلا أنها لاحياة فيها هل هي بحاجة للماء.. كيف ذلك وهي بجانب البحر”

تفاجأ جلجامش من هذه الفكرة”قد يوجد شيءٌ يمنع وصول الماء إليها.. ماهو ذلك الشيء الذي هو نصفها وأكبر منها.. هل هي جذورها.. لا اعتقد فالجذور وظيفتها الوصول للماء وجلبه.. إذًا لابد من وجود شيءٍ يمنع جذور هيڤيا من الوصول للماء.. لكن ماهو ياترى.. شيء هو أكبر منها

مالذي يمنع وصول الماء للأشجار وحجمه كبير.. عرفته إنه السد… فالسد وظيفته حجز الماء وحبسه وهو أكبر من الشجرة لكن كيف يكون نصفها؟؟ … امممم قد يكون الجواب لغويًا ترى هل تلعب هيڤيا بالكلمات والأسماء

الأسماء نعم الأسماء يالها من شجرةٍ خبيثة وماكرة لقد فطنت أننا سميناها بسدرة مجاملة وتملق لا أكثر لذلك أعطتني سؤالًا لغويًا”

نظر جلجامش لهيڤيا بمكر وقال: طقسوس.. لقد توصلت لحل أحجيتك

هيڤيا: لديك محاولةٌ واحدة إن خسرتها خسرت حياتك وحياة زوجتك


تم نسخ الرابط